مقاصد القرآن الكريم والتعليم

مقاصد القرآن الكريم والتعليم

  • المقدمة: للقرآن الكريم خصائص ومزايا لم يحظ بها كتاب غيره من الكتب المنزلة، ومهما صعد الناظرون، وارجعوا ابصارهم، فإن ما يحصونه من تلك المزايا، وما يقفون عليه من تلك الخصائص هو مما غاب ضمن عظيم أسراره، كرذاذ المد من عتي أمواج البحر، وذلك على كثرة ما رأوا ، وجمال ما اطلعوا عليه. ومع امتداد الزمن وتعدد أيامه تتوارد الأنظار، وتكثر الأقلام، فتتقاطع الأفكار وتتفق أحيانا، ويقع الخلاف فيما يدون أحيانا أخرى، بحسب مواقع النظر، ومواضع الرؤية، لكن المتفق عليه من دون خلاف، أن القرآن الكريم هو كتاب الله الخاتم لرسالاته الذي نص منهاجه الدائم على اصلاح المخلوقات، وتقويم اتجاه سيرهم، فرادى كانوا أو مجتمعين، فهو المعجزة الكبرى الخالدة ما دامت السماوات والأرض، لا تنقضي عجائبه، ولا يضل طالبه تعهده الله بالحفظ والرعاية قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) 1. وقد جمع القرآن الكريم ما تفرق في الكتب السابقة من أحكام كريمة ووصايا عظيمة، فحمل كثيرا من تفاصيل الحياة القديمة تصريحا وتضمينا؛ بما عكس من العبر وما قدم من المواعظ، ولم يخل من اشارات كونية، ولمحات قدسية، لمن يرغب من أهل التدقيق والتدبر، كما استوعب ما ظهر من حوادث جديدة في الحياة البشرية الحديثة من بيان أصول الدين وأحكام الشريعة، وركائز الآداب والأخلاق وخصوصية العلم واعجاز تفاصيله، فكان كتابا جامعا لكل علم وفن مناسبا لكل روح ونفس، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فكان نسج لفظه من أبدع ألوان إعجازه، بما حوى هذا النظم قليل اللفظ ضمن هذا الفضاء كثير المعنى، وأبهر بعدم اكتفاءه بالكلي دون الجزئي، ولم يُجمل في موضع يقتضي التفصيل. ولم يختصر في مقام يقتضي الاطناب والبيان، فأدهش وأعجز وأمتع حتى أعاد فيه العلماء النظر تلو النظر، فإذا به يكشف عن كليات تفاصيل ما يهم السامع، ويُجمل الجزئيات على نحو لا يمل منه القارئ مرتبا في نسق مقاصدي مبهر، تسلّم فيه جزيئات النص لب المعنى، إلى الجزئيات التي تليها بإسهاب ممتع وإيجاز ، مقنع وبيان أرفع ما يمكن أن يكون سر ما عرف اصطلاحا بمقاصد القرآن، وهي بعيدا عن المفاهيم التعليمية الأهداف الكبرى التي ساق الله عز وجل النظم القرآني تبيانا لها ….. هذه المقاصد التي لم تبد في دراسات العلماء على نحو فني متخصص إلا بعد قرون من مطالعة القرآن الكريم على نحو تحليلي وموضوعي بعد درس عميق الترابط موضوعاته وسور آياته تبع ذلك غوص وإيغال في استكناه كلياته، وحصر جزئياته، فظهر علماء من المتقدمين ومن المتأخرين كل يدلو بدلوه ويحاول تحديد وحصر كليات القرآن وجزئياته وخصوصية بيانه في مقاصد من أجل الفهم، وتيسير فهم للأهداف الكبرى التي من أجلها نزلت هذه الرسالة وكانت ختاما لكل الرسائل الإلهية ويكمن أن تختصر في عجالة أهم العلماء الذين كتبوا في هذا المجال: ونذكر من المتقدمين؛ أبي حامد الغزالي (505-450) في كتابه جواهر القرآن جعل للقرآن مقصدا عاما هو الدعوة إلى الله، ثم بين أن المقاصد القرآنية الحصرت في ستة أنواع ثلاثة هي: السوابق والأصول المهمة، وثلاثة هي الروافد والتوابع المغنية المتممة، في حين جعلها أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء (516 هـ) من خلال تفسيره معالم التنزيل، خمس مقاصد أساسية (ذكر المواعظ وأخبار الماضين وأحكام العقيدة والتذكير والتدبر، والتفكير والاعتبار). وتجد ابن جزي (أبو القاسم محمد بن احمد بن محمد بن عبد الله) (741هـ) في مقدمة تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل تحت باب أسماه في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن، ميز بين مقصد عام دعوة الخلق إلى عبادة الله ومقصد تفصيلي (علم) الربوبية والنبوة والمعاد ، والأحكام والوعد والوعيد ، والقصص، أما إبراهيم بن موسى الشاطبي (790 هـ) في كتابه الموافقات، فقد جعلها ثلاث مقاصد؛ ضرورية وحاجية، وتحسينية، وأجمل الضرورية في حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، حفظ المال). أما المتأخرين نذكر محمد رشيد رضا (1354هـ) في كتابه الوحي المحمدي، فيجمل مقاصد القرآن في عشر مقاصد، ذكرها في معرض تفسيره المطلع سورة يونس وفصل فيها فصولا طويلة، في حين اختصر عبد العظيم الزرقاوي (1367هـ) في كتابه مناهل العرفان مقاصد القرآن في ثلاث مقاصد رئيسة. أما ابن عاشور (1973-1879) فمقاصد القرآن عنده تتمثل في ثمان ، مقاصد، سيتم التفصيل فيها من خلال هذه الدراسة، فما هي مقاصد القرآن عنده الطاهر بن عاشور؟ وما هي الأبعاد التربوية لهذه المقاصد ؟ وما علاقة مقاصد القرآن بالتعليم؟ وما هي آثارها في العملية التعليمية؟
  • -1- مفهوم مقاصد القرآن الكريم: إن أول ما يجب أن يقف عنده الباحث هو بيان خصوصية المفاهيم سواء كانت لغوية أو اصطلاحية، من أجل الوصول إلى كنه المصطلحات وتحديد دلالتها، وأكثر المفاهيم التي تحتاج إلى توضيح هو مصطلح المقاصد.
    • أ- المقاصد لغة: جاء في لسان العرب: «القصد: استقامة الطريق، قصد يقصد قصدًا، فهو قاصد، وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) أي على الله تبيين الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبراهين، ” وَمِنْهَا جَائِرٌ” أي ومنها طريق غير قاصد وطريق قاصد سهل مستقيم (…) قال ابن جني: أصل “ق ص د” ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهوض نحو الشيء، على اعتدال كان ذلك أو حور (…) وإن كان قد يُخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل». ويذكر ابن فارس في مقاييس اللغة دلالة الجذر ) ق ص د ( يقول: «القافُ والصَّادُ والدال أصول ثلاثة، يدل أحدهما على إتيان شيء وأمه، والآخر على اكتناز في شيء، فالأصل: قصدته قصدا ومقصدا من الباب أقصده السهم، إذا أصابه فقتل مكانه، وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه والأصل الآخر قصدت الشيء كسرته، والقصدة: القطعة من الشيء إذا كسرت (…) والأصل الثالث: الناقة القصيد؛ المكتنزة الممتلئة لحما (…) لذلك سميت القصيدة من الشعر قصيدة، لتقصيد أبياتها، فلا تكون أبياتها إلا تامة الأبنية » 3. وفي معجم المعاني الجامع: «المقصد اسم مفرد والجمع مقاصد: مصدر ميمي من قصد، والمقصد موضع القصد ومنها قصد إلى وقصد في وقصد ل: قصد واتجاه (…) والمقصد اسم مكان من قصد، (…) مَقْصِدي مكة غاية، فحوى “مقصدي من فعل كذا مساعدته مقاصد الكلام ما وراء السطور أو ما بينها ومقاصد الشريعة: الأهداف التي وضعت لها ، من خلال هذه الأقوال يتضح أن الجذر اللغوي ( ق ص د يحيل إلى التوجه، وموضع القصد، والطريق المستقيم، ومنها يمكن أن نستنتج معنى لغويا للمقاصد وهي المواضع والاتجاهات التي سطرت لها، والأهداف المرجوة منها».
    • ب المقاصد اصطلاحا: عرفها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بقوله: «مقاصد التشريع العام هي المعاني والحكم للملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها » 2. ويعرفها العز بن عبد السلام في كتابه “قواعد الأحكام في مصالح الأنام” وقد صاغ فيه فكرته المحورية حول المقاصد، والتي تدور حول « بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات الشرعية ليسعى العباد في تحصيلها، وبيان مقاصد المخالفات، ليسعى العباد في درئها، وبيان ما يقدّم من بعض المصالح على بعض وما يؤخر من بعض المفاسد على بعض، وبيان ما يدخل تحت اكتساب العبيد دون ما لا قدرة لهم إليه، والشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح»، فالمقاصد من خلال المفاهيم السابقة هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، وهي أيضا المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموما وخصوصا من أجل تحقيق مصالح العباد، هذه المعاني والحكم اجتمعت في معناها العام وفي أصل شارعها، واختلفت في تعدادها وتحديد اتجاهاتها، ومن بين العلماء الذين تحدثوا عن هذه المقاصد محمد الطاهر بن عاشور في كتابه تحرير التنوير من التفسير، وقبل أن نتحدث عن المقاصد نحاول أن نعرف محتوى الكتاب ومنهجه في الدراسة.
  • أ – التعريف بالكتاب: كتاب التحرير والتنوير” كتاب ألفه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله واسماه “تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، واختصره في اسم “التحرير والتنوير من التفسير”، وتم تداول تسميته “تحرير التنوير”، يقع في ثلاثين جزءا، في أحد عشر ألفا ومائة وسبعة وتسعين ورقة مكتوبة بالخط الصغير، ولو كتبت بالخط المتوسط لكانت عدد الصفحات أكثر ، طبع عن دار الكتب الشرقية، وأخرى عن الدار التونسية للنشر، وهذه الأخيرة طبعة جيدة وأوراقها من النوع الرقيق والرفيع.
  • ب منهج الكتاب: جعل الشيخ ابن عاشور لكتابه التحرير والتنوير” عشر مقدمات تناول في كل مقدمة علما من العلوم التي جعلها هديه ومنهجه في التفسير وهي: المقدمة الأولى؛ في التفسير والتأويل وكون التفسير علما من صص 10-17. المقدمة الثانية في استمداد علم التفسير ، ص ص 18-27. المقدمة الثالثة؛ في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي ونحوه، ص-28-37. المقدمة الرابعة؛ فيما يحق أن يكون غرض المفسر ، ص ص 3-45 تحدث فيها عن مقاصد القرآن، وعلاقتها بالعلوم. المقدمة الخامسة؛ في أسباب النزول من ص ص 46-50. المقدمة السادسة؛ في القراءات من صص 51-63. المقدمة السابعة؛ قصص القرآن من صص 64-69. المقدمة الثامنة في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها واسمائها، من صص 70-92. المقدمة التاسعة في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن، تعتبر مرادة بها، من ص 93-100 ص. المقدمة العاشرة في إعجاز القرآن ومبتكرات القرآن وعادات القرآن، من ص-101-103 ص.
  • 3 مقاصد القرآن عند محمد الطاهر بن عاشور في كتاب التحرير والتنوير من التفسير: قال محمد الطاهر بن عاشور : « إن القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة، ورحمة لهم لتبليغهم مراد الله منهم، قال تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) 1 ، فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس وتزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد، لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة والبطانة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر، وأما الصلاح الجماعي فيحصل أولا من صلاح الفردي، إذ الأفراد أجزاء المجتمع، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه، ومن شيء زائد على ذلك هو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية، وهذا هو علم المعاملات، ويعبر عنه الحكماء بالسياسة المدنية، وأما العمراني فهو أوسع من ذلك، إذ هو حفظ نظام العالم الإسلامي…» ، ومن خلال هذا القول يمكننا أن نقسم مقاصد القرآن عند محمد الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير من التفسير إلى ثلاث أقسام رئيسة؛ هي الصلاح الفردي، الصلاح الجماعي والصلاح العمراني، ويتدرج عن هذه الأقسام، أقسام فرعية ذكرها صاحب التحرير والتنوير، قال: «أليس قد وجب على الآخذ في هذا الفنّ أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها، فلنلم بها الآن بحسب ما بلغ إليه استقراؤنا، وهي ثمانية أمور 2.
    • 1 – إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح : وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق؛ لأنه يزيل عن النفس عادة الإذعان لغير ما قام عليه الدليل، ويُطهر القلب من الأوهام الناشئة عن الإشراك والدهرية وما بينهما، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ .
    • 2-تهذيب الأخلاق: قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، وفسرت عائشة رضى الله عنها – لما سئلت عن خلقه فقالت: كان خُلقه القرآن وفي الحديث الذي رواه مالك في الموطأ بلاغا أن رسول الله ، قال: بعثت لأتمم مكارم حسن الأخلاق».
    • 3- التشريع وهو الأحكام خاصة وعامة: قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ، وقد جمع القرآن جميع الأحكام جمعا كافيا في الغالب، وجزئيا في المهم، فجاء قوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فلم يترك شاردة ولا واردة من الأحكام العامة والخاصة إلا أشار اليها وأوضحها ومن ثمة جاء قوله: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، المراد بهما إكمال الكليات التي منها الأمر بالاستنباط والقياس، وحين تتضح خصوصية التشريع يمكن للإنسان سياسة الأمة بما ينص به التشريع وبما نص عليه الشارع.
    • 4 – سياسة الأمة: وهو باب عظيم في القرآن، القصد منه صلاح الأمة، وحفظ نظامها؛ كالإرشاد إلى تكوين الجامعة، لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ، وقوله وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، وقوله : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ .
    • 5- القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم: جاء القرآن الكريم في كثير من السور والآيات حاملا لقصص الأنبياء، وأخبار الأمم السابقة، وهو مقصد بقدر ما كان الغرض منه التدبر، كان الغرض منه التعليم أيضا، قال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هُذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ.
    • 6- التعليم بما يُناسب حالة عصر المخاطبين: إن التعليم بما يناسب حالة المخاطبين وجهة تؤهل المتعلمين إلى تلقي الشريعة ونشرها ؛ وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار، وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب، وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة الاستدلال في أفانين مجادلاتها للضالين وفي دعوته إلى النظر، ثم نوّه بشأن الحكمة فقال : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ، وهذا أوسع باب انبجست عنه المعارف، وانفتحت به عيون الأميين إلى العالم، وقد لحق به التنبيه المتكرر على فائدة العلم.
    • 7- المواعظ والإنذار، والتَّحذيرُ والتبشير: وهذا موضع يجمع جميع آيات الوعد والوعيد، وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين، وهذا باب الترغيب والترهيب، وفيه آيات كثيرة من الكتاب المبين دالة عليه.
    • 8- الإعجاز بالقرآن: أما الاعجاز بالقرآن فهو آية دالة على صدق الرسول ، إذ التصديق يتوقف على دلالة المعجزة بعد التحدي، والقرآن جمع كونه معجزة بلفظه، ومتحدى لأجله بمعناه، والتحدي وقع في قوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، ويختم ابن عاشور حديثه قائلا: «وهذا ما بلغ إليه استقرائي، وللغزالي في إحياء علوم الدين بعض من ذلك …».
  • 4- الأبعاد التربوية 1 المقاصد القرآن الكريم : ولمقاصد القرآن عند صاحب التحرير والتنوير أبعاد دينية شرعية وأبعاد دنيوية توجيهية تربوية، يمكن أن نجملها في خمسة أبعاد هي:
    • أ- البعد العقدي: والذي نستشفه من المقصد الأول إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح”، ذلك أن القرآن الكريم أنزل لتصحيح العقيدة، وتخليص الناس من الشرك والخرافات التي تهدم العقل ولا تُشكله، والعقل مسرح كبير ينبغي للمدرس أن يشتغل عليه، وخصوصا في هذا الزمن الذي تُدّس فيه أمور غريبة تستهدف عقول أبنائنا من دون أن يشعروا بها، وأن يجعل كل عمل يقوم به المرء عبادة وتقربا إلى الله تعالى، وهذا ما تفردت به هذه الأمة عن غيرها من الأمم ؛ لأنَّ السبب الذي خلق من أجله الإنسان هو العبادة، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
    • ب البعد الأخلاقي السلوكي: القرآن الكريم في بحمله يحمل قيما أخلاقية تربوية تُسدّد العقل البشري، وتجعله دائما يقظاً واعيا في تشكيل لحمة متواصلة ذات أبعاد سلوكية، بغرض توطيد العلائق البشرية في هذا الكون، قال تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 3، والأخلاق والكرامة مما ينبغي الحرص على تعلمها واقتفاء سُبُلها، وقد كان خُلُقُ الرسول صلى الله عليه وسلم “القرآن”؛ لما فيه من القيم الربانية التي تزكي النفس وتطهر القلب من الدنس ، والأوحال، فنتج عن ذلك الربط بين العلم والعمل، والمزج بين الفعل والقول، وألا يخالف أحدهما الآخر، قال الشاطبي – رحمه الله – في قاعدته المشهورة: “كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح، من حيث هو مطلوب شرعا”4.
    • ج – البعد العلمي التعليمي: يراعي القرآن الكريم في مقاصده مخاطبة الناس بحسب عصرهم، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ 5 ، فهو المعجزة المتجددة التي لا تبلى تتناثر ؛ وقد أوضحت السُّنَّة النبوية الأمر تفسيرا وبيانا؛ فالقرآن هو : «كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخير من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، ما تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى – أو قال العلم في غيره أضله الله، وهو حبك الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد، تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا : ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ( يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ ، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، والقرآن كله إنما جاء ليعلم الإنسان أمور دينه وتعاملاته، فمن علم علمه كان له الحظ الأوفر وحظوة السبق والفوز.
    • د – البعد الفني التعليمي: وهي ما يسمى أيضا بالبعد البيداغوجي 3 الديداكتيكي ، ويمكن استخلاصه من القرآن الكريم الذي يعد منظومة علمية، أوحاها الله تعالى من فوق سبع سموات؛ حملها جبريل عليه السلام، إلى قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليبلغه للناس على قدر عقولهم، وقد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، وجعل من منهجه طريقا للعارفين قصد تبليغ هذا الدين إلى الناس عامة بمختلف مستوياتهم، وهذه المستويات هي درجات كل فرد في الفهم والإدراك، وفي صحيح البخاري باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن يفهموا، قال الله علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكَذِّب الله ورسوله ؟ 5 ، فصيغة الخطاب ينبغي أن تستحضر عند تبليغ القرآن من كلفوا بمعرفته ضبطا وفهما وتنزيلا؛ بحسب مراقي عقليتهم النفسية والاجتماعية.
    • هـ البعد العملي: الغرض من نزول القرآن هو العمل به أي: تطبيق الأثر القرآني في الحياة اليومية من جهة القول بالترتيل والتلاوة، والتدبر والتعقل، ومن جهة الفعل؛ بالامتثال والتطبيق؛ وذلك مجال الفقه، والمنهج القرآني إنما غرضه الهداية والرحمة وجلب المصالح ودفع المفاسد، وأما «الشريعة فمبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رضي الله عنه ، أنتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل »1.
  • -5- علاقة العلوم بالقرآن ومقاصده: ختم بن عاشور، المقدمة الرابعة بحديثه عن علاقة العلوم بالقرآن ، ومقاصده هي على أربع مراتب كالآتي:
    • الأولى: علوم تضمنها القرآن؛ كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد، وأصول العربية والبلاغة.
    • الثانية: علوم تزيد المفسر علما؛ كالحكمة والهيأة وخواص المخلوقات.
    • الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له؛ كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق.
    • الرابعة: علوم لا علاقة لها به، إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا، وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.
    • وتعد هذه المراتب الأربعة بما اشتملت عليه، محتوى تعليميا متكاملا، لها أسس ومادة علمية منظمة، يهتم كل اختصاص بما يناسبه، من خلال تبنيه وجهة معينة ونظاما محددا يسير وفقه، لكن الملاحظ هو تقاطع بعض المراتب واشتراكها في بعض المحتويات التي تخدم أكثر من تخصص، كالمرتبة الأولى والثانية، والمرتبة الثانية والثالثة، نظرا لتداخل العلوم وتكاملها.
  • -6- أثر الأبعاد التربوية لمقاصد القرآن الكريم في التعليم أو العملية التعليمية: يحتل التعليم المكانة الكبرى في مسالك النهضة وأسبابها لذلك جاء القرآن مركزا على العلم والتعلم في أكثر من آية ولما كان العلم للعمل قرينا وشافعا، وشرفه لشرف معلومه تابعا كان أشرف العلوم على الاطلاق علم التوحيد، وأنفعها علم أحكام العبيد»، والمقصود بعلم التوحيد، علم العقيدة والذي جعله ابن عاشور أول المقاصد “إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح”، في حين علم الأحكام هو علم التشريع، وما سياق هذا القول في هذا المقام إلا لاقتران العلم بالعمل، وما العملية التعليمية أو التعليم بصفة عامة إلا تيسير للعلم وتفسير له وتبسيط المفاهيمه كي يتسنى العمل ويسهل، وقبل هذا وذاك سنحاول تفسير بعض المفاهيم.
    • أ- مفهوم التعليم: يعرف میگاندیس (Meccandess) التعليم بأنه اكتساب المهارات الجديدة، وإدراك الأشياء والتعرف عليها، عن طريق الممارسة، بما في ذلك تجنب بعض أنماط السلوك التي يتضح للكائن الحي عدم فعاليتها أو ضررها ، وفي هذا المفهوم جمع بين اكتساب المهارة في التعليم وممارستها بالعمل والتطبيق وهما عمليتان متلازمتان وعرف ود ورث . Wood Worth) التعليم بأنه « النشاط الذي يمارسه الشخص والذي يؤثر على سلوكه مستقبلا ، وهذا يعني أن التعلم يقوم أساسا على إيجابيات الفرد وتفاعله مع البيئة التي يعيش فيها، وعن طريق هذا التفاعل يتوصل الإنسان إلى طرق جديدة. أما التعليم في رأي ابن عاشور فهو : ترقية المدارك البشرية وصقل الفطر الطيبة؛ لإضاءة الإنسانية وإظهارها في أجمل مظاهرها، فيخرج صاحبها عن وصف الحيوانية البسيط وهو الشعور بحاجة نفسه خاصة إلى ما يفكر به في جلب مصلحته ومصلحة غيره بالتحرز عن الخلل والخطأ بقدر الطاقة، وبحسب منتهى المدنية في وقته»، وهو بذلك يؤصل فكرة كون التعليم فطرة إنسانية، تعمل على ترقية مدارك الإنسان من أجل أن يظهر في أجمل مظاهره، وهو هنا يحيلنا إلى ترقية الإنسان للوصول إلى أخلاق عالية، وبقدر ما في العلم من رقي، فيه من التواصل مع غيره من أجل التأقلم البيئي والتواصل الإنساني الصحيح، يقول: «على أن الانسان خُلق بطبعه معلما، بمعنى أن في طبيعته حبّ إيصال معلوماته إلى غيره لما فطر عليه من التأنس، ومن الميل إلى التعبير عما يجده، وهو أصل فطرة النطق»، فالتعليم عملية تبدأ مع نطق الانسان وتستمر مدى الحياة، سواء كان مقصودا أو غير مقصود، وأن الهدف منه هو التأقلم مع البيئة وفهمها والسيطرة عليها في أحيان كثيرة . ويسوق ابن عاشور مثالا عن التعليم الصحيح وفق ما وصف أفلاطون قال: «التعليم الصحيح هو موسيقى النفس ورياضة البدن، وإن حسن السلوك فرع منها كما أبان شدة تأثير العشير في أخلاق الصغار، ورأى وجوب تربيتهم في حظائر صالحة لكيلا يشبوا على مخالطة الشر نفوسهم، وأنه لا يجب أن يروا الرذيلة ولا يسمعوا بها، وأن الغرض من التعليم ترقية الفضيلة، وهو أول الأشياء وأجملها، فالتعليم الصحيح يرمي إلى إنشاء أرقى أصناف الناس من كل من تمرس بالأشغال والأعمال، أو رزق المواهب الحسنة ورغب في سلوك خير السبل، وشغف بالمعرفة وامتاز بحب الواجب والتعقل بحسب ما يرى ابن عاشور – وليس «العلم رموزا تحل ولا كلمات تحفظ ولا انقباضا وتكلفا، ولكنه نور العقل واعتداله، وصلوحيته، لاستعمال الأشياء فيما يحتاج إليه منها ، فهو استكمال النفس وتطهر العقل، والتأهل للاستفادة والإفادة، وما كانت العلوم المتداولة بين الناس إلا خادمة لهذين الغرضين وهما؛ ارتقاء العقل لإدراك الحقائق، واقتدار صاحبه على إفادة غيره بما أدركه هو » 1 ، وإذا كان العلم هو ترقية المدارك البشرية أو ترقية الفضيلة، فما هي التعليمية؟
    • ب- مفهوم التعليمية: اختلف العلماء والقائمون على تطوير العملية التعليمية في تعريفهم لها حيث ينظر لها: أنها عملية تنظيمية للإجراءات التي يقوم بها المعلم داخل غرفة الدرس، وخاصة لدى عرضه للمادة الدراسية وتسلسله في شرحها » ، العملية التعليمية في جوهرها ما هي إلا تنظيم التعليمي محتوى عملية للمحتوى أو المادة تقويم ترتيب معرفة فهم . المدروسة، والتي غالبا ما تأخذ شكل التسلسل الهرمي في تدرج توصيل المعرفة للطالب، ويمكن التمثيل لها وفق ما قدمه بنجامين بلوم Benjamin Bloom) ، في الشكل الموالي يوضح التسلسل الهرمي للعملية التعليمية وفق تدرج مراحلها:
      • الشكل -1 التسلسل الهرمي للعملية التعليمية: يقول ابن عاشور: وقد انقسمت العلوم إلى عملية ونظرية (…) فيجب أن نطلب في العلم العملي؛ مبلغ عمل التلميذ به، وفي النظري؛ مبلغ فهمه فيه 1، فالتعليم يحتاج إلى المعرفة أو محتوى تعليمي التي تساق وفق ما يتناسب مع عقول المتلقين، وبالتالي نصل إلى مستوى (الفهم) والذي يخص الجانب النظري كما أحال إليه ابن عاشور – والذي يتدرج فيه المتعلم ليصل إلى الدراية الفنية والتي تسمى (المهارات) ومن خلال المهارة يمكن للمتعلم تطبيق المعرفة التي تلقى تفاصيلها، وهذا يخص الجانب العملي كما أحال إليه ابن عاشور – ومع ممارسة التطبيق يمكن للمتعلم أن يحلل المعلومة أو المعرفة، ثم إن التركيز على مهارات التعامل مع الآخرين (المواقف) يمنح المتعلم القدرة على ترتيب المواقف والحالات، وفق تسلسل تصاعدي كلما تقدم في المعرفة أكثر، أو تدرج في مستويات العلم أكثر، ليصل إلى أعلى قمة في التسلسل الهرمي، والتي يجمع فيها بين المعرفة وفهمها وتطبيقها وتحليلها وترتيب تفاصيلها وتقويمها، وفق ما تحصل عليه من مخزون معرفي علمي، عبر مراحل تدرجه. ودعا ابن عاشور إلى دعم العملية التعلمية بالأصول الأخلاقية المثلى التي تهذب نفوس المدرسين والدارسين على حد سواء، وطريق ذلك كما رسمه في خطته هو: «التدريب على ضروب الحكمة، ونقد مقتضيات الزمان، وعلو الهمة والغيرة للحق، والترفع عن سخائف المطامع، وعن ضيق الصدر الذي ينشأ عنه الحسد والظلم والخصام والتلفي من كل ما يخالف المقصد، والإقدام، والحزم، وأصالة الرأي، وحب النظام في جميع أحوال الحياة، وعدم معاداة القوانين، والعمل، وحب التناسب في المظاهر كلها، وإدراك الأشياء على ما هي عليه، والتباعد عن الخفة والطيش، وعن الجمود والكسل، وسوء الاعتقاد، والأمور الوهمية، بحيث يكون العدل في جميع الأشياء صفة ذاتية فإذا كانت هذه هي الأصول الأخلاقية للعملية التعليمية، فما هي أطراف العملية التعليمية؟ أو ما هي عناصرها؟
    • ج عناصر العملية التعليمية: تتضمن العملية التعليمية مجموعة من العناصر والمهام التي تقوم فيما بينها علاقات تفاعلية، بحيث تشكل فى النهاية نظامنا تربويا تعليميا متكامل اللبنات للوصول إلى تحقيق أهداف المنظومة التربوية التعليمة، وكذلك لتهيئة جيلا متعلما يساير ركب التطور العلمي والثقافي قادرا على خدمة مجتمعه، وطامحا إلى مستقبل زاهر مملوء بالإنجازات والنجاحات، لذلك تعد العملية التعليمية مجموعة من المواقف والأنشطة الصادرة عن المدرس وعن التلاميذ، ولكنها ترتبط بكيفية منطقية منتظمة إلى الحد الذي يمكننا أن تنبأ بحدوثها في كثير من الأحيان، وترتكز في مجملها على عناصر أساسية أهمها العلم نفسه، والإنسانية في التعامل مع الطالب لإكسابه المهارات اللازمة التي تساهم في بناء شخصيته، ومعرفة تمكنه دخول معترك الحياة، ومواجهة تقلباتها، وتتكون العملية التعليمية من عدة عناصر تعد أساسا لنجاحها وهي كالتالي :
      • الشكل -2 عناصر العملية التعليمية:
        • 1- المعلم: يرى ابن عاشور أن هناك غايات للمشتغلين بالتعليم يتحصلون عليها من مزاولته سواء أكانت هذه الغايات دينية أم دنيوية، لكن الغاية الأسمى والمقصد الأعظم في نظره هو إنتاج قادة للأمة في دينها ودنياها وهداة هم مصابيح إرشادها، ومحاصد قنادها، ومهدئو نفوسها إذا أقلقها اضطراب مهادها. يقول ابن عاشور: «إن التعليم لا يدخل تحت البحث والقواعد لأنه متوقف أكثره على المعلم لا على القواعد الفنية، فلا يمكن من القوانين له لثلاً يوضع المعلم في غير موضعه، ويوكل إليه ما لم يجعل له، ويحرم الفرص من استخدام مواهبه الشخصية فالرأي السائد بين أهل النظر أن تعين حدود هذا الفن، ويعنى فيه بإحلال الأغراض الصحيحة المختصة بالارتقاء الأدبي والاجتماعي المحل الأول وإنزالها المنزلة اللائقة بها، وان يبحث عن معرفة الطرق الموافقة لدرس التعليم ، وللمعلم دور أساسي وفعال في العملية التعليمية، إذ يستطيع بخبراته وكفائتة أن يحدد نوعية المادة الدراسية واتجاهاتها وتبسيطها لفكر المتعلم، ودور المعلم لا يقتصر في توصيل المعلومات المتعلم، ولكن العبرة هي إعداده للمستقبل إعدادا سليما، ولذلك لا بد أن توفر في المعلم شروط هي:
          • أن يكون متخصصا ملما بكل مفاهيم التدريس، ونظريات التعلم مستخدما طرائق استراتيجية تتلاءم وطبيعة المادة الدراسية.
          • أن يتقمص المعلم دورا قياديا، فيوفر جوا للتعلم، يمكنه من إدارة نشاطات الحجرة الدراسية.
          • كشف ميول واتجاهات المتعلم ومساعدته على تنمية قدراته، وذلك بتكوين علاقات اجتماعية تمنح الطالب القدرة على التعبير والتوضيح والاستمتاع، وذلك من خلال القدرة على التعرف على الكلمات التي تدل على فهم التلميذ أو عدم فهمه.
          • البحث والاطلاع المستمر، مما يخلق القدرة على طرح الأسئلة وإتاحة الوقت للتفكير واحتمال تأجيل الإجابات، وبذلك يكتسب خبرة في إدراك الفروق بين الطلاب وتقدير سلوكهم.
          • ويحدد ابن عاشور واجبات الأساتذة يقول: من أخص واجبات الأساتذة أن يكونوا قدوة لتلاميذهم، فمن الواجب أن يعرفوهم حب العلم والسعي لإصلاح أنفسهم وأمتهم وأن ينشئوهم على خلال المصابرة والشجاعة، والحرية والمروءة واحترام الحق والعدالة والعفاف وكرم الأخلاق، حتى يكونوا كلهم أعضاء نافعة عاملة، سواء منهم من بقي في صناعة العلم أو من انصرف إلى الأشغال الأخرى، وعساهم أن لا يكونوا بعداء عن هذا في مقبل الزمان، فإن علماء الأمة زينتها في كل أوان.
        • 2 المتعلم: يعد المتعلم محور العملية التعليمية، التي تتوجه إليه عملية التعليم لذلك فإن التعليمية تبدي عناية كبرى له، فتنظر إليه من خلال خصائصه المعرفية والوجدانية والفردية في تنشيط العملية التعليمية وتنظيمها، وتحديدها أهداف التعليم والمراد تحقيقها فيه، فضلا عن مراعاة هذه الخصائص في بناء المحتويات التعليمية، وتأليف الكتب واختيار الوسائل التعليمية وطرائق التعليم، يقول ابن عاشور: ونحن نقتنع من اصلاح العقول الغضة بأن تطن على اسماعها الآراء الصائبة والعلوم المحققة، ولا نخشى في خلال ذلك من صرف أذهانهم عنها بصرف صارف، فإنّ لنور الحق سلطانا»، إن تركيز ابن عاشور على العقول الغضة واصلاحها تركيز له أسسه، ذلك أن هذه العقول لها خصائص تميزها، تجعلها مؤهلة للتعلم، ومع ذلك يجب أن تتوفر في كل متعلم صفات حتى يكون قادرا على أخذ أكبر قدر من عملية التعلم والشكل الموالي يوضح صفات المتعلم:
          • الشكل – صفات المتعلم 3.2.1
            • الاستعداد
            • المتعلم
            • النضج
            • الدافع
        • 2- المحتوى التعليمي: القرآن الكريم بكل ما جاء فيه محتوى تعليميا متكاملا متعدد المداخل ومختلف التخصصات؛ ذلك أن القرآن الكريم بمقاصده وتشريعاته ينص على التعليم عامة، قال تعالى: ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ﴿ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وقال أيضا: ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ 5 ولم ينص القرآن الكريم على التعليم فقط، بل أنه نص على التعليم بما يُناسب حالة عصر المخاطبين، وفي آياته ما يحيل على ذلك قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، وقال أيضا: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ، وقال أيضا: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وقال أيضا قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هُؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، والآيات في هذا المجال كثيرة ومتعددة المعاني. وقد اجتهد العلماء في تفسير آيات القرآن كمحتوى تعليمي وتبيين مقاصده وما قدمه ابن عاشور في تفسيره ومن خلال حديثه عن مقاصد القرآن الثمانية، [إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح، تهذيب الأخلاق، التشريع، سياسة الأمة، القصص وأخبار الأمم السالفة لتأسي بصالح أحوالهم، التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير الاعجاز بالقرآن حاول تفسيره في أكثر من كتاب يخص نظم التعليم والابعاد التربوية لمقاصد القرآن ومدى تأثيرها في العملية التعليمية. والحقيقة أن ابن عاشور، مع تقديره لأهمية الإصلاح في نظم التعليم، وطرائق التدريس، وفي أحوال الأساتذة تأهيلا وتدريبا وضبطا لهم بتراتيب إدارية معلومة، إلا إنه لا يتردد في إعطاء الأولوية لإصلاح العلوم ذاتها، إصلاحا ينبغي أن ينعكس في التأليف المستخدمة لتدوينها وإشاعتها، ففي رأيه: «إذا كنا نرتقب من إصلاح التعليم وإصلاح المعلمين وطرق اختبارهم فإنّ التأليف – وهي المعلم الأول للتلميذ والمرشد للمدرس – أجدر بأن تعطى لفتة من الإصلاح، إذ هي الفاعل القوي في نفس التلميذ وعلى مرتبتها تكون نفوس التلامذة، ولو وازن الناس بين اصلاح التأليف وإصلاح المعلم لرأوا أن اصلاح التأليف يصل بنا إلى غرضنا، ولو نظرنا في عوائق التحصيل لاستدركنا ناقصا وأصلحنا مختلا ، لما كان التلميذ يقرأ النحو وهو يختم المحلى، لا يُحسن ترجيح رأي، بلا استنباط حكم » 1. وحجة ابن عاشور، في التركيز على التأليف أو الكتاب المدرسي أو المحتوى التعليمي هي أن المعلم «مهما بلغ به الجمود لا يمكنه أن يحول بين الأفهام وما في التأليف ونحن نقتنع من اصلاح العقول الغضة بأن تطنّ على اسماعها الآراء الصائبة والعلوم المحققة، ولا نخشى في خلال ذلك من صرف أذهانهم عنها بصرف صارف، فإنّ لنور الحق سلطانا وإن لمقاصد القرآن قصصا وبلاغة وبيانا تنعش الفهم بالعبرة وتحلي اللسان بالبيان، وتزيد المروءة بالقدرة على تدبيج اللغة وتطويعها بالنحو البلاغة، ولتزيد العقل اتزانا ورجحانا بالحكمة والمنطق، والقرآن الكريم دستور جامع لكل روافد العلوم فلا حصر لعلم دون آخر ولا مفاضلة الرافد عن غيره، وما المعرفة إلا جزء ضئيل من هذا الدستور الجامع.
          • الشكل –4 مسار العملية التعليمية
            • المعلم
            • المتعلم
            • المحتوى التعليمي
            • فالسهم الازرق في المسننة التي تمثل المعلم، يتجه نحو المسئلة التي تمثل المحتوى التعليمي، وكذلك السهم الأخصر في المسننة التي تمثل المتعلم، يتجه نحو المسننة التي تمثل المحتوى التعليمي، وفي المقابل السهم الأصفر في المسننة التي تمثل المحتوى التعليمي يتجه نحو المتعلم، ونظام المسننات لا يعمل إلا بنظام التشابك الميكانيكي ومن المستحيل أن تلتف مسننة من دون تناسب وتوافق درجات تسنينها وانفراجاتها لمسننة أخرى، فالمحتوى التعليمي إذا لم يناسب كلاً من المعلم والمتعلم فلن تتحرك العملية التعليمية، ذلك أنه على المعلم معرفة المحتوى التعليمي من خلال تخصصه الذي يناسب المادة المدروسة كي ستطيع إيصال المعرفة والفهم إلى أذهان المتعلمين وعلى المتعلم متابعة المحتوى التعليمي كي يستطيع التدرج في المعرفة وفهمها وتطبيقها وترتيب تفاصيلها وتحليلها.
            • مقاصد القرآن الكريم والتعليم: ولحاجة المتعلم المسلم لمحتوى تعليمي يوافق عقيدته ومبادئ دينه، ركز ابن عاشور في مشروعه “إصلاح التعليم”، على إصلاح التأليف أو المحتوى التعليمي – من دون أن يُهمل المعلم والمتعلم – لكن تركيزه على إصلاح المحتوى التعليمي كان هدفه تعليم الناشئة بما يُناسب حالة عصرهم ومستوى عقولهم، وهو مقصد قرآني، وقف الكثير من العلماء أمام الآيات الدالة عليه، كما لم تغفله السنة الشريفة، ويرى ابن عاشور أن هناك أسبابا كثيرة تلزمنا بإصلاح التعليم منها لأن التعليم يُدخل المتعلم في حالة اتزان ورضا عن النفس، وضبط السلوك والعقل، كما يخلق عنده الشغف، ورغبة الاكتشاف والوصول إلى المراد، ثم أنه هو الذي يمكننا من استقامة أعمالنا » 1 ، يقول ابن عاشور: فنحن في الاحتياج إلى العلم بوجوه الأشغال المراد من التعليم ليكون المتعلم بذلك راضيا عن نفسه، واثقا بحصول مبتغاه من عمله 2 ويضيف ابن عاشور قائلا أن التعليم: « يفيد ترقية المدارك البشرية، وصقل الفطر الطيبة لإضاءة الإنسانية واظهارها في أجمل مظاهرها فيخرج صاحبها عن وصف الحيوانية»3، ولعل هذا القول يحيلنا إلى نقطة مهمة هي إعداد قادة للأمة، صالحين بصلاح إعدادهم، مؤهلون للقيادة والإرشاد، وقد كانت هذه الغاية هدفا للأنبياء والحكماء، لأن التعليم نور يضئ ظلام العقل، وسبيل سالك يوصل إلى طريق الهداية والرشاد، وهو الذي يبلغ بالأمة مقاصدها وأعلى درجات التطور والرقي، إلى مصاف الأمم المتحضرة، وبه تكتمل الحقيقة الإنسانية، وقد استنتج ابن عاشور، هذه الأسباب لإصلاح التعليم من استقراء التاريخ، واستنباط كيفية تأثير التعليم في الأمم عبر الأزمنة الماضية ومقارنة ذلك بالحاضر، حيث أصبح انحطاط التعليم سمة وسبب مباشر لانحطاط الأمة. لذلك تتوقف على التعليم عند ابن عاشور، جميع الإصلاحات الأخرى، وذلك لأن الإسلام انفرد عن كل الأديان بإظهار فضل العلم والعلماء، يقول سبحانه وتعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ويقول سبحانه: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ، وخير دليل على اهتمام الإسلام بالعلم وفضله، أن أول سورة نزلت من القرآن الكريم، تحث على القراءة وطلب العلم قال تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ 3 ، كما يستشهد ابن عاشور، بأحاديث كثيرة تحث على العلم والتعلم وعدم كتمانه، ثم «إن اهتمام ابن عاشور بقضايا التعليم وفق ما يوافق مقاصد القرآن دليل حسي وملموس على إحساسه العميق بالفرد المسلم وغيرته على شخصيته التي تستمد أهم مقوماتها من الدين الإسلامي، (…) ، والمصدر الأساس الأول الذي يعتمد عليه ابن عاشور في إصلاح التعليم هو القرآن الكريم، ونلمس ذلك من خلال تنبيهه إلى أن خلافة الله -تبارك وتعالى في الأرض تتطلب من الإنسان الانتباه إلى مسالك صلاحه فيها، وإصلاح التعليم من أهم هذه المسالك». ومن ثمة أدرك الشيخ ابن عاشور من خلال ممارسته للتعليم متعلما ومعلما بجامع الزيتونة أنه بحاجة إلى إصلاح واسع النطاق على نحو يشمل جوانبه جميعا نظام التعليم ودرجاته ومواده والكتب المعتمدة في التدريس، والمدرسين من حيث تأهيلهم ومدى مناسبتهم لدرجات التعليم ومستويات الدارسين، وتدرج المعارف التي تدرس وتراتبها » 5. فالتعليم نظام متكامل لا يقف عند مرتكز واحد، بل تتعدد المرتكزات التي يقوم عليها، وما صلاحه إلا صلاح للأمة جمعاء، لذلك حسم ابن عاشور مشروعه إصلاح “التعليم” بقوله: «فأما التعليم فإنه إن صلح عم به الصلاح، وإن كان فاسدا شقيت به الأمة كلها، وتذبذبت في معرفة مركزها وساءت اعتقادا في حالة جهلها». ومن خلال كل الذي سبق كان اجتماع مقاصد القرآن بالتعليم، تقاطعا في مقصد رئيس يتمثل في التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين تتفرع عنه ثلاث أبعاد مهمة هي البعد العلمي التعليمي البعد الفني التعليمي البعد العملي ويمكننا أن نلخصها في الشكل الآتي:
              • الشكل -5- علاقة مقاصد القرآن بالتعليم
                • البعد العلمي التعليمي
                • يمثله المحتوى التعليمي
                • البعد الفني التعليمي
                • يمثله المعلم
                • البعد العملي
                • يمثله والمتعلم
                • مقاصد القرآن والتعليم

 

نتائج الدراسة: في نهاية هذه الورقة البحثية، سنجمل أهم النتائج التي توصلنا إليها في النقاط الآتية:

 

1 – المقاصد في اللغة والاصطلاح هي؛ المواضع والاتجاهات التي سطرت لها والأهداف المرجوة منها، أما مقاصد القرآن، فهي الأهداف الكبرى التي ساق الله عزّ وجل، النظم القرآني تبيانا لها.

2- يُجمل محمد الطاهر ابن عاشور مقاصد القرآن في كتابه تحرير التنوير، وتحديدا في المقدمة الرابعة في ثمانية مقاصد هي: إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح، تهذيب الأخلاق، التشريع، سياسة الأمة، القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم، التعليم بما يُناسب حالة عصر المخاطبين المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، الاعجاز بالقرآن .

3- تنبثق عن مقاصد القرآن أبعاد تربوية وأبعاد شرعية، ولأن مجال الدراسة علاقة مقاصد القرآن بالتعليم اكتفينا بالأبعاد التربوية والتي تمثلت في: [البعد العقدي، البعد الأخلاقي السلوكي، البعد العلمي التعليمي، البعد الفني التعليمي البعد العملي.

4- ذكر ابن عاشور في نهاية المقدمة الرابعة علاقة مقاصد القرآن بالعلوم قاطبة ورتبها ترتيبا تنازليا من الأهم فالأهم؛ بدأها بالعلوم التي تضمنها القرآن، ثم العلوم التي تزيد المفسر علما إلى علمه، ثم العلوم التي جاء مؤيدة للقرآن الكريم تابعة له، في الأخير العلوم التي لا علاقة لها بالقرآن ومقاصده.

5- كان تأثير مقاصد القرآن في العملية التعليمية واضحا من خلال أبعادها والتقاطعات المتشابكة في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية” ثم كتابه “أليس الصبح بقريب” وهما امتداد لما جاء في التحرير والتنوير، وتجتمع مقاصد القرآن بالتعليم وتتقاطع في البعد العلمي التعليمي البعد الفني التعليمي البعد العملي.

6- يعد القرآن الكريم منهجا تربويا كاملا، ومحتوى تعليميا صالحاً لكل عصر وجيل، لذلك وجب العودة إليه لاستنباط ما فيه من مضامين تربوية وتوجيهات أخلاقية وتوظيفها بما يخدم مبادئ الدين، وخصوصية العلم والتعلي
Categories: فكري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *